لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد ..
أمور كثيرة تضع المكانة الكبيرة في قلوب الطلبة. والناظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد بغيته وقدوته في هذا الجانب حتى نقل عن أحد أعداءه قوله: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
وهنا يجب التفريق بين الهيبة التي تصنعها المكانة التربوية والتقدير الممزوج بالمحبة وبين الهيبة المصحوبة بالرهبة من غلظة المربي وبطشه. فالمطلوب الأول .. وأما الثاني فهو مرفوض تربوياً. قال تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).
ولذا فمن تتبع السيرة النبوية الشريفة يجد في هذا الجانب معالم هامة للاقتداء بها .. وسنذكر بعض المعالم المستقاة من السيرة النبوية الشريفة ومن التجربة الواقعية:
1- الالتزام بالدين ظاهراً وباطناً وعدم مخالفة أقوال المعلم لأفعاله في عموم حياته فضلاً عن مواطن التربية. كما قالت عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي صححه الألباني في الجامع الصغير : (كان خلقه القرآن)
2- نفع الطلبة بالعلم في عموم الأوقات والبعد عن إضاعة الأوقات وأعانتهم في أمورهم وتوجيههم في ذلك . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الصفة (أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم فقلنا يا رسول الله كلنا نحب ذلك قال أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل) رواه مسلم وأبو داود.
3- احترام العلماء و الدعاة الآخرين وتقديرهم وعدم جرحهم عند الاختلاف معهم أو منافستهم في برامجهم الدعوية. وبتقدير هؤلاء الدعاة يتربي الآخرون على تقدير واحترام المعلم.
4- العدل بين الطلبة وعدم المغالاة في تقديم أحد على الآخر إلا بما يكون لدى المعلم من قدرات واضحة ، والتبسط إليهم جميعاً . فقد كان عمرو بن العاص يظن أنه أحب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حديث عهد بالإسلام. عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل. قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة . قلت من الرجال ؟ قال: أبوها . قلت: ثم من؟ قال: عمر . فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم . متفق عليه.
5- ترك المجال للمعلم للتعبير عن نفسه واحترام آراءهم وعدم تقبيحها ولو خالفت رأيك. وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي سعد بن معاذ في أشد الظروف وأصعبها في غزوة الأحزاب وترك رأيه في التصالح مع بعض العرب لفك الحصار عن المدينة النبوية. مع أن سعد بن معاذ رضي الله عنه كان أصغر كثيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- إبداء ثقة المعلم بالطلبة عبر تقديرهم أو توليتهم بعض المسئوليات في العمل الدعوي. وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الراية لأسامة بن زيد وهو شاب وأوصى زيد بتعلم السريانية لقراءة كتب تأتيه لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق. وأوصى بقراءة القرآن على قراءة عبد الله بن مسعود وغيرها من الأحداث العجيبة التي تظهر إعطاء الثقة بالمتربين ولو كانوا شباباً.
7- بعد المعلم عن مواطن الريب وسوء الظن وتوضيح ما قد يقذفه الشيطان من سوء الظن. وتذكر ماروته أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي. قالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً).
8- النصرة والإعانة في أوقات الحاجة.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما . فقال رجل يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه . متفق عليه.
9- الحزم من غير فضاضة والرفق بدون هزل .. كما قال الشاعر :
ومن يك حازماً فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
والأصل الرحمة والرفق والقسوة نادرة خفيفة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه) صحيح أبي داود.
10- ابتعد عن كثرة الكلام أو قليل الفائدة منه أو تكراره بدون سبب ظاهر.
11- عدم مجاراة السفهاء والجهلة والبعد عن كثرة المزاح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح أبي داود (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
12- الحذر مما يجرح المروءة من الكلام البذيء أو اللباس المهان أو البقاء في المكان غير المناسب.
13- الزهد فيما عند الناس من الدنيويات. قال صلى الله عليه وسلم (ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس) حديث حسن - صحيح الجامع الصغير.
14- احذر من كثرة العتاب فهي تزيد من تنافر القلوب. عن أنس رضي الله عنه قال (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بالمدينة وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه ما قال لي فيها أف قط وما قال لي لم فعلت هذا أو ألا فعلت هذا) رواه أبو داود وصححه الألباني.
15- القدرة على تقدير الأمور وإمكانيته على ضبط طلابه وتوجيههم يزيد من تقدير المعلم لمكانة مربيه.
16- سماحة النفس والصبر على المتربين.
17- النمو والترقي في سلم التعلم والتعليم وتطوير المهارات الذاتية للمعلم. حتى لا يصل المتربي إلى مرحلة يجد أن المربي فاقد القدرة على إعطاء المزيد. وقد يتصور بعض المعلمين في هذه المرحلة أنه لم يستفد بتاتاً من هذا المعلم شيئا.
18- سخاء النفس في كل الجوانب. وقد قال الشاعر :
تغطي بالسماحة كل عيب *** وكم عيب يغطيه السخاء.
19- الاعتدال في عموم الأمور كالملبس والمأكل والمركب.
20- الحذر من الحسد أو الشماتة بالآخرين .. فالحسد يعمي والشماتة منفرة والعياذ بالله.