التعلم الوجداني كمحتوى
التعلم الوجداني كمحتوى
إن البعد الوجداني أو العاطفي من المحتوى الذي يدرس في المدارس يتألف من القيم والمشاعر والحساسيات إنه يضم مفاهيم مثل الصواب والخطأ والجمال والخير والأولويات ومهارات مثل الاختيار بين البدائل، ولهذا البعد جوانبه المعرفية ويتضمن أحياناً ويتطلب مهارات، ويختلف عن البعدين الآخرين للتعلم بسبب صبغته الانفعالية وملامحه التقويممية.
إن التعلم الوجداني جزء من المحتوى لأن المدارس يتوقع منها أن تعلم التلاميذ أن يعملوا الشيء الصائب، أو أن يسلكوا سلوكاً صحيحاً وفقاً لمعايير المجتمع الذي يعيشون فيه. ولكي يفعلوا ذلك بفاعليته، ينبغي أن يدرس التلاميذ ما يأتي :
1ـ قيم ثقافتهم وثقافات الآخرين ، وكذلك نسقهم القيمي الشخصي.
2ـ مشاعر الآخرين ومشاعره.
3ـ إحساسات الآخرين، وما المقصود بأن يكون حساساً.
والقيم هي تلك الجوانب من الحياة التى يعتبرها الناس جديرة بالتقدير ،إنها معايير يتبناها الناس ويحافظون عليها ويحاولون أن يرقوا في عيشهم لمستواها ويلتزموا بها. وهي تنبثق من طبيعة المجتمعات والثقافات، وتنتقل إلى الأجيال الأحدث من خلال عملية التنشئة الاجتماعية. وهي تفيد كموجهات عامة للسلوك ومن القيم التي يحرص عليها مجتمعنا:
الكرامة الإنسانية
الأمانة
المساواة
التسامح
الحرية
حرية التعبير
الاجتهاد في العمل
الإنجاز
النجاح
الاعتماد المتبادل
موافقة المحكومين
مسايرة الآخر
الالتزام بالقانون
العدالة
الحق
ولما كانت هذه القيم مقبولة في مجتمعنا على نطاق واسع، فهناك قدر معقول من الاتفاق على دور المدارس في تدريسها. ولكن يبدو أن هناك قيماً موضع جدل لأنها كثيراً ماتبدو متصارعة الواحدة مع الأخرى أو مع المعايير الثقافية العامة والتقاليد. وحين يحدث هذا فإن دور المدارس في تعليمها كثيراً ما يكون موضع تساؤل وتشكك. فمن المتوقع أن تدرس المدارس هذه المثل العليا التي تبدو متضاربة:
التعاون ـ التنافس
الإخلاص للأصدقاء ، إبلاغ الأفعال الخاطئة للآخرين .
النجاح الشخصي مقابل رعاية صالح الآخرين ومشاعرهم.
مسايرة المعايير الاجتماعية ـ الابتكار والتفرد والاستقلال الذاتي.
والمشاعر هي إحساسات داخلية أخلاقية وانفعالية يخبرها الناس وهم يستجيبون ويتجاوبون مع الآخرين ومع الأحداث والظروف . ويكتسب الناس مشاعر من تفاعلهم مع بيئاتهم الاجتماعية والثقافية. وهي عادة ما تكون تعبيرات عن القيم التي يتمسك بها الأفراد والاحساسات التي يمتلكونها . ولما كانت المشاعر داخلية وفردية، فنحن نتعلمها بطرق مختلفة عن تعلمنا للمعرفة . فنحن نكشفها، ونولدها وننميها ونمدها وأحياناً نكتبها في خبراتنا الحياتية. ومن المشاعر العامة والمشتركة ما يأتي :
الفرح الألم الاشمئزاز الحزن
والخوف الانتماء الاغتراب القلق
والوحدة أو الشعور التقبل خيبة الأمل الإعجاب
والحساسية هي القدرة على الاستجابة للآخرين وللمواقف بطريقة إنسانية مستبصرةمتعاطفة ومشاركة وجدانياً. إنها تتضمن وتتطلب القدرة على رؤيةكما يرون أنفسهم، ووضع نفسك في موضع الاخر، والتواصل الآخرين والاتصالإيجابياً عبر القيود والعوائق الشخصية والثقافية. إنها خاصية تعارضالتعصب والتحيز ونبذ القيم والأنماط السلوكية لمجرد أنها مختلفة لدىالفرد. إن الحساسين من الناس يفهمون القيم والمشاعر وطموحات الآخرين وقادرين على التعاطف معهم.
تدريس القيم والمشاعر والحساسيات :
إن المجال الوجداني جزء من المحتوى الذي يدرس في المدارس لأن ما يحتاج التلاميذ تعلمه في هذا المجال هام جداً بحيث لا يجوز أن يترك للصدفة. ويحتاج الطلاب إلى المساعدة ليفهموا الجوانب الانفعالية والتقويمية من حياتهم، وليتقبلوا ويمدوا ويعدلوا معتقداتهم ومشاعرهم ، وليكونوا قادرين على اتخاذ قرارات جيدة. وتدرس المدارس مثل هذه الجوانب بتوفير معلومات وخبرات تشجع على تنمية القيم والحساسيات والمشاعر ، وكذلك تشجع على تحقيق الاختيارات المناسبة من بينها وهي حين تفعل هذا تساعد التلاميذ على تحليل قيمهم وتنميتها وعلى فحص مشاعرهم وتقبلها، وعلى تنمية وتعميق حساسيتهم وعلى ممارسة اتخاذ القرارات.
والمدارس مسئولة مسئولية كبيرة عن التعلم الوجداني . فلقد أنشئت المدارس عبر التاريخ وفي الثقافات والمجتمعات المختلفة كمؤسسات للتطبيع الاجتماعي، لكي تنقل إلى الأجيال الصغيرة القيم الثقافية ولكي تغرس فيها الالتزام بهذا القيم. وبالإضافة إلى تدريس التلاميذ المعرفة والمهارات فإنها تستهدف تدريسهم التوقعات الثقافية.
والمدارس بطبيعة الحال ليست المؤسسة الوحيدة التي توفر التعلم الوجداني ، ذلك أن الأسر ودور العبادة وجماعات الأتراب والأجيال الأكبر سناً والتقاليد والطقوس ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة كلها تشارك في التعلم العاطفي .غير أنه في البيئة المتغيرة على نحو سريع في العصر الحديث ومع تعقد هذه البيئة، تغيرت كثير من هذه المؤسسات، وأصبحت أدوارها الاجتماعية أقل وضوحاً عما كانت عليه في الماضي. وبالمثل فإن بعض هذه المؤسسات كالتليفزيون ازدادت قوته عما كان عليه في الماضي. واستجابة لهذه التغيرات اتجهت المجتمعات وركزت بدرجة أكبر على نحو مباشر على المدارس.
والمدارس التي توفر أكثر أنواع التعليم فاعلية في مجال القيم والمشاعر والحساسيات تخطط على نحو دقيق ومعتنى به لذلك، وتتبع أنماطاً معينة، وهي تدرك أن أساليب الوعظ والغرس العقيدي لها قيمة محدودة في المواقف المدرسية وكثيرا ما لا تكون منتجة.
وكثيراً ما تدرس هذه المدارس عن طريق المثال، ودراسات الحالة، والتوقعات التى يحددونها لتلاميذهم. وهي حين تعمل هذا، تضع تلاميذها في مواقف يخبرون فيها ويشاهدون شروطاً وظروفاً ذات صبغة قيمية وانفعالية في المحتوى وفي الاستجابة. وهي حين ترتب خبرات للتلاميذ تتطلب منهم أن:
يفكروا في القيم والمشاعر والحساسيات والاختيارات.
يحللوا مواقفهم ومنظوراتهم وانفعالاتهم ويوضحونهها.
يقارنوا أفكارهم وعواطفهم أو انفعالاتهم مع أفكار الآخرين وانفعالاتهم.
يضعوا أنفسهم في موضع الآخرين.
يخبروا المشاعر المتضمنة في المواقف وخاصة تلك التي يغلب أن تكون لها صبغة انفعالية.
ينموا مهاراتهم في التقييم واتخاذ القرار.
وعلى الرغم من التخطيط المعتنى به، فإن التعليم في معظم الموضوعات والمواد الدراسية وفي معظم السنوات أو الصفوف الدراسية لا ينظم حول الأهداف الوجدانية أو العاطفية أساساً. إن مخططي المنهج التعليمي والمدرسين يخططون دروسهم على أساس المعرفة .. المفاهيم والتعميمات، ثم يضيفون إلى هذا التعلم الوجداني الذي يعتقدون أنه ينبغي أن يحدث في هذا السياق .
وعلى سبيل المثال
مدرسوا التاريخ يقررون أن يدرسوا حدثاً تاريخياً ماضياً أساساً ليحصل التلاميذ معرفة عنه، ثم يحددون كيف يمكن لهم أن يدرسوا القيم والمشاعر والحساسيات في نفس العملية. وبالمثل كثير من مدرسي الفنون اللغوية يدرسون عملاً أدبياً معيناً لأنهم يريدون لتلاميذهم أن يعرفوا العمل وكاتبه قبل أن يلتفتوا إلى الدروس القيمية في هذا العمل. ولسوء الحظ فإن وضع قرارات التعليم الوجداني في المرتبة الثانية في تخطيط الدروس قد أدى ببعض المربين إلى الاعتقاد بأنها تجيء في المرتبة الثانية من حيث الأهمية. والحقيقة أنها ليست كذلك.
ويستخدم المدرسون استراتيجيات تدريس كثيرة لتدريس الأبعاد الوجدانية للمادة الدراسية. وبعضها أكثر ملائمة لمستويات صفية معينة ، وموضوعات أو مواد دراسية بعينها، ولأساليب تدريس عن ملائمتها لأخرى. وسنذكر فيما يلي مثالين : الأول يساعد التلاميذ على فحص المشاعر، والثاني يساعدهم على تحليل القيم. وحين يستخدم المدرسون أياً من هذين الأسلوبين، فإنهم يدرسون ثلاثة أنواع من التعلم :
1ـ معرفة عن المشاعر والقيم.
2ـ مهارات تحليلية يستطيع التلاميذ استخدامها لدراسة مشاعرهم وقيمهم ومشاعر الآخرين وقيمهم.
3ـ الصبغات الانفعالية والتقويمية للمشاعر والقيم .
وهاتان الاستراتيجيتان تستندان إلى عمل " نابا " في تطوير المناهج مع أعوانها في مركز تطوير المناهج، وهما تعرضان هنا كمثالين لأنهما قد استخدمتا لفترة طويلة أي أنهما اختبرتا عبر فترات زمنية طويلة في حجرات دراسية فعلية، ويمكن استخدامهما في العديد من المواد الدراسية والموضوعات، والمستويات الصفية ، وهما تلائمان التعليم في أي وقت يمس موضوع الدرس المشاعر والقيم وتعملان عملهما مع أي تلاميذ يستطيعون أن يناقشوا الأفكار في موقف مناقشة جماعية.