الرحلات المعرفية عبر الويب (إحدى استراتيجيات التعلم عبر الويب)
أدوات العمل الجماعي
تشهد نظم التعليم في الوقت الراهن تطورات سريعة متعاقبة نتيجة الثورة الهائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، والتي أدت إلى كسر الحواجز الجغرافية والزمانية بين دول العالم ، وتعتبر شبكة الويب أو بيئة التعلم القائمة على الويب Web Based Learning بما تقدمه من خدمات وإمكانات مصدراً حافلاً ومضطرداً ومتجدداً للمعلومات المرتبطة بمستحدثات تكنولوجيا التعليم ، بالإضافة إلى تنوع أشكال ومصادر هذه المعلومات من مواقع تعليمية متخصصة ، وقواعد بيانات متجددة ، وكتب ودوريات إلكترونية متنوعة ، بالإضافة إلى سهولة الحصول على هذه المصادر والتعامل معها وإمكانية توفير التعلم التفاعلي النشط عبر شبكة الويب بما يضمن تنمية مهارات التفكير والبحث والحوار والمشاركة وحل المشكلات وتعلم إنتاج مواد تعليمية خاصة بالويب مثل المهام المرتبطة بالمشروعات التعليمية القائمة على الويب ومن أهم المشروعات والاستراتيجيات التعليمية الهادفة والموجهة والقائمة على استخدام وتوظيف شبكة الويب والاستفادة من المعلومات الموجودة عليها مايسمى بإستراتيجية تقصي الويب Web Quest Strategy ، أو ما يطلق عليها أحيانا مهام الويب أو الرحلات المعرفية عبر الويب لأن هذه الإستراتيجية تعتمد على تقديم مهمات تعليمية محددة تساعد المتعلم على القيام بنفسه بعمليات مختلفة من البحث والاستكشاف للمعلومات عبر الويب ، واستخدام وتوظيف هذه المعلومات وليس مجرد الحصول عليها . وقد بدأت فكرة إستراتيجية تقصي الويب Web Quest Strategy بجامعة سان ديجو بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995 لدى مجموعة من الباحثين فى قسم تكنولوجيا التعليم وعلى رأسهم دودج بيرنى Dodge , B . ومارش توم March , T .
وأخذت هذه الفكرة فى الانتشار فى كثير من المؤسسات التعليمية بأوربا والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها طريقة حديثة للتعليم من خلال البحث عبر الويب ، وتعتمد إستراتيجية تقصي الويب على التعليم المتمركز حول الطالب لأنها تتكون من مهمات وأنشطة مختلفة تساعد وتسهل على الطالب استكشاف واستنتاج المعلومات ، واستخدام المهارات العقلية العليا لديه ، فطبيعة هذه الإستراتيجية تتيح للطالب استخدام مهارات التفكير وحل المشكلات وتستهدف البحث عن حلول لأسئلة أو مشكلات حقيقية واقعية غير مصطنعة وأن التعامل يتم مع مصادر أصلية حقيقية للمعلومات وليست مصادر ثانوية كما تهتم إستراتيجية تقصي الويب (W.Q.S.) بتنمية القدرات المعرفية العليا لدى المتعلمين مثل التحليل والتركيب والتقويم ، وتعتمد – سواء جزئياً أو كلياً – على المصادر الإلكترونية الموجودة على الويب والمنتقاة مسبقاً والتي يمكن تطعيمها بمصادر أخرى كالكتب والمجلات والأقراص المدمجة وتتضح أهمية إستراتيجية تقصي الويب (W.Q.S.)
ومزاياها فيما أورده بعض الباحثين فيما يلى :
1- تحفيز الطلاب على التعلم الذاتى وفقا لمهاراتهم وقدراتهم ، وبالتالى فهى تزيد من اهتمامهم ودافعيتهم للتعلم .
2-تزويد الطلاب بمصادر معلومات متنوعة عبر الويب يتم اختيارها بدقة ، وبالتالى فهى تنمى مهارات البحث والتعامل مع المعلومات ومصادر المعرفة عبر الويب .
3-تطوير القدرات والمهارات التفكيرية العليا لدى الطالب ، كالتحليل والتركيب والتقويم ، لأن مهام الإستراتيجية لا تتطلب حفظ واستظهار المعلومات وإنما تتطلب استخدام الخيال والتأمل والإبداع .
4-تشجيع العمل التعاونى والتشاركى فى إنجاز المهام وفى نفس الوقت لا تلغى الجهد الفردى للطالب .
5- تناسب جميع مستويات الطلاب وتحتوى على أنشطة تعليمية متنوعة وبالتالى هى تراعى الفروق الفردية بين الطلاب فى توزيع الأدوار داخل المجموعة الواحدة .
6-تحول دور المعلم من ناقل للمعلومات إلى دور الميسر والمنظم لعمليتى التعليم والتعلم ، وعدم الاعتماد على المعلم والكتاب المدرسى كمصدر وحيد للمعرفة ، فالطالب هنا باحث عن المعرفة وليس مستقبل لها .
7- توسيع آفاق المتعلم وزيادة الخبرات التعليمية لديه من خلال العمل الجماعى والاستفادة من آراء الزملاء فى المجموعة .
8-تساعد فى استثمار وقت وجهد الطالب ، فالتركيز هنا يكون على استخدام المعلومات وليس مجرد البحث عنها ، وبالتالى تتاح الفرصة للمتعلم للتعبير عن آراءه وأفكاره فى ضوء ما اطلع عليه من معلومات ، وليس مجرد الحفظ والاستظهار .
9-تصلح إستراتيجية تقصي الويب (W.Q.S.) لجميع المراحل التعليمية وفى كافة المواضيع والتخصصات ، وتدمج بين استخدام شبكة الويب وبرامج الكمبيوتر الحديثة فى تقديم الطالب لنتائج بحثه.
ويصنف دودج إستراتيجية تقصي الويب ( W.Q.S.) إلى مستويين :
1-استراتيجيه قصيرة المدى Short Term Web Quests تتراوح مدتها من حصة إلى أربع حصص وتستهدف الوصول إلى مصادر المعلومات وفهمها واسترجاعها ، وهى تحتاج إلى عمليات ذهنية بسيطة كالتعرف على مصادر المعلومات واسترجاعها ، وتستخدم هذه الإستراتيجية مع الطلاب المبتدئين اللذين لا يجيدون المهارات المتقدمة للبحث عبر الإنترنت ، وكمرحلة أولى للتحضير لاستراتيجيه طويلة المدى ، وتقويم الإستراتيجية قصيرة المدى يتم فى شكل بسيط مثل إعداد قائمة ببعض العناوين التى تم الاطلاع عليها والبحث عنها .
2- إستراتيجية طويلة المدى Longe Term Web Quest وتتراوح مدتها من أسبوع إلى شهر تقريبا ، وتستهدف الإجابة عن أسئلة محورية لمهمة محددة ، وتحتاج إلى عمليات عقلية عليا كالتحليل والتركيب والتقويم ، وتتطلب استخدام الطالب لمهارات الحاسب والتعامل مع محركات البحث عبر الويب ، وتقويم الإستراتيجية طويلة المدى يتم عن طريق عرض الطالب لحصاد بحثه باستخدام قواعد بيانات أو عروض تقديمية أو نشر صفحات على الويب ، أو تقديم خرائط مفاهيمية أو غيره .
وأيا كانت إستراتيجية تقصي الويب (W.Q.S.) طويلة المدى أو قصيرة المدى فإن هناك بعض الأسس والمعايير التى يجب أن تراعى في تصميمها ، منها:
1- أن يكون تصميم الإستراتيجية فى صورة مهام ومشكلات حقيقية واقعية مرتبطة باهتمام الطالب وتمثل جزءا من المقرر أو البرنامج الدراسى له ، وليست مجرد نشاطا منفصلا عنه وأن تكون المهام متعددة التساؤلات ويتطلب التعامل معها البحث فى أكثر من مصدر من مصادر المعلومات .
2-ألا تستهدف الإستراتيجية مجرد تجميع معلومات أو بيانات من مصادر المعلومات المحددة ، وإنما يجب أن تهدف إلى تحويل هذه المعلومات إلى أفكار وحلول وظيفية تطبيقية يستفاد منها فى حل المشكلات أو المهام أو التساؤلات التى تطرحها الرحلة المعرفية .
3- يراعى فى تصميم مهام الإستراتيجية ألا تكون مجرد أسئلة تقليدية يجاب عنها بتسجيل بيانات أو تجميع معلومات ، بل تستهدف حث الطلاب على التفكير لتكوين رأى أو اتخاذ قرار أو تلخيص معلومات لإنتاج فكر جديد .
4- أن يتم اختيار مصادر المعلومات والمواقع التى يرجع إليها الطالب بدقة وعناية بحيث تكون مرتبطة بطبيعة مهام الإستراتيجية وتتسم بالسهولة فى التصفح ولا تضيع وقت وجهد الطالب .
5-يراعى تحديد وتنظيم أدوار الطلاب أثناء تنفيذ مهام إستراتيجية تقصي الويب .
التصميم التعليمي لإستراتيجية تقصي الويب (W.Q.S.):
وبالنظر إلى التصميم التعليمي لإستراتيجية تقصي الويب (W.Q.S.) يلاحظ أنها تعتمد على كثير من الأسس والشروط والمواصفات من أهمها :
- الاهتمام فى تصميم إستراتيجية تقصي الويب على توفير مصادر تعلم متنوعة عبر الويب تمكن المتعلم من استكمال معارفه وخبراته ، بمعنى عدم تقديم كل المعلومات للمتعلم مقدماً وإنما يستكمل معلوماته من خلال بحثه واستنتاجاته .
- الاهتمام فى تصميم إستراتيجية تقصي الويب على استخدام وتوظيف المعلومات وليس مجرد البحث عنها عبر مصادر التعلم التى تم تحديدها .
- المهام المقدمة من خلال إستراتيجية تقصي الويب مهام حقيقية واقعية ترتبط بالمقرر الدراسى وليس مجرد نشاطات تعليمية منفصلة عن المنهج .
- المهام المقدمة للطلاب فى إستراتيجية تقصي الويب غير محددة النتائج أو الحلول ، بحيث تترك الفرصة لانطلاق خيال وإبداع الطالب والبحث عن المعلومات واستخدامها فى التوصل إلى نتائج وحلول تعبر عن وجهة نظره فى ضوء ما قام بتجميعه من معارف ومعلومات .
- يعتمد تنفيذ إستراتيجية تقصي الويب على المشاركة والتفاعل والمناقشة بين أفراد المجموعة لأن نجاح تنفيذ الإستراتيجية يرتبط باستخدامها فى مجموعات بحيث تكلف المجموعة بمهمة معينة ، ثم توزع المسئوليات فى تنفيذ المهمة على أعضاء المجموعة ، وهذا يعنى أن المعرفة التى يتوصل إليها الطالب تنتج من خلال المشاركة والتفاعل والمناقشة مع الآخرين وليس ما يكونه المتعلم بنفسه فى معزل عن الآخرين.
وبالنظر إلى هذه الشروط والمواصفات التى تتسم بها إستراتيجية تقصي الويب يلاحظ أنها تتفق مع الأسس والمبادئ التى يقوم عليها المدخل البنائى فى التصميم التعليمى Constructivism Aproach لأن من خصائص هذا المدخل أنه يتمركز حول المتعلم ، ويؤكد على بناء المتعلم للمعرفة بنفسه ، ورفض التلقى السلبى لها والتأكيد على المشاركة النشطة للمتعلم فى عملية التعلم وربط معارفه الجديدة بخبراته ومعارفه السابقة ، والتأكيد على العمل الجماعى مع الاعتراف بذاتية المتعلم ، وجعله واعياً بدوره ومسئوليته الفردية ، وأن تكون مهام التعلم واقعية وذات معنى . وبذلك تعتبر إستراتيجية تقصي الويب إحدى استراتيجيات التعلم التى تتوافر فيها أسس ومبادئ الفكر البنائى ، من حيث أنها تستهدف تدريب وتشجيع المتعلم على بناء وإنتاج المعرفة بنفسه بدلا من نقلها إليه ، كما أن تنفيذ الطالب لخطوات الإستراتيجية يمكنه من اكتشاف معارف واكتساب خبرات جديدة فتنتظم هذه الخبرات فى الإطار المفاهيمى الموجود لديه بالفعل ، لتؤدى إلى إبداع تراكيب معرفية جديدة تساعده على إعطاء معنى لخبراته التى مر بها ، وكلما مر المتعلم بخبرات جديدة حدث تعديل للمنظومات المعرفية الموجودة لديه وهكذا.
ومن هنا فإن التعلم باستخدام إستراتيجية تقصي الويب ليس مجرد تراكم آلى للخبرات والمعارف لدى المتعلم ، بل هو توظيف وإبداع عضوى للمعرفة يعاد فيها بناء التراكيب المعرفية الموجودة لديه من جديد اعتمادا على مروره بالخبرات الجديدة.