هاله خشبه
الاوسمة :
عدد المساهمات : 453
| موضوع: الحكمة من التيمم الثلاثاء مارس 29, 2011 3:25 pm | |
| الحكمة من التيمم
نقف أمام «حكمة التيمم». نحاول استيضاح ما ييسره لنا اللّه من حكمتها .. إن بعض الباحثين في حكمة التشريعات والعبادات الإسلامية ، يندفعون أحيانا في تعليل هذه الأحكام بصورة توحي بأنهم استقصوا هذه الحكمة فلم يعد وراء ما استقصوه شي ء! وهذا منهج غير سليم في مواجهة النصوص القرآنية والأحكام التشريعية .. ما لم يكن قد نص على حكمتها نصا .. وأولى : أن نقول دائما : إن هذا ما استطعنا أن نستشرفه من حكمة النص أو الحكم. وأنه قد تكون دائما هنالك أسرار من الحكمة لم يؤذن لنا في استجلائها! وبذلك نضع عقلنا البشري - في مكانه - أمام النصوص والأحكام الإلهية. بدون إفراط ولا تفريط .. أقول هذا ، لأنّ بعضنا - ومنهم المخلصون - يحبون أن يقدموا النصوص والأحكام الإسلامية للناس ، ومعها حكمة محددة ، مستقاة مما عرفه البشر من واقعهم أو مما كشف عنه «العلم الحديث»! وهذا حسن - ولكن في حدود - وكثيرا ما ذكر عن حكمة الوضوء - قبل الصلاة - أنها النظافة .. وقد يكون هذا المعنى مقصودا في الوضوء. ولكن الجزم بأنه هو .. وهو دون غيره .. هو المنهج غير السليم. وغير المأمون أيضا : فقد جاء وقت قال بعض المماحكين : لا حاجة بنا إلى هذه الطريقة البدائية : فالنظافة الآن موفورة. والناس يجعلونها في برنامج حياتهم اليومي. فإذا كانت هذه هي «حكمة الوضوء» فلا داعي للوضوء إذن للصلاة! بل .. لا داعي للصلاة أيضا!! وكثيرا ما ذكر عن «حكمة الصلاة» ... تارة أنها حركات رياضية تشغل الجسم كله وتارة بأنها تعويد على النظام : أولا في مواقيتها. وثانيا في حركاتها. وثالثا في نظام الصفوف والإمامة ... إلخ. وتارة أنها الاتصال باللّه في الدعاء والقراءة .. وهذا وذاك وذلك قد يكون مقصودا .. ولكن الجزم بأن هذا أو ذاك أو ذلك هو «حكمة الصلاة» يتجاوز المنهج السليم والحد المأمون. وقد جاء حين من الدهر قال بعضهم فيه : إنه لا حاجة بنا إلى حركات الصلاة الرياضية. فالتدريبات الرياضية المنوعة كفيلة بهذا بعد أن أصبحت الرياضة فنا من الفنون! وقال بعضهم : ولا حاجة بنا إلى الصلاة لتعود النظام. فعندنا الجندية - مجال النظام الأكبر. وفيها غناء! وقال بعضهم : لا حاجة لتحتيم شكل هذه الصلاة. فالاتصال باللّه يمكن أن يتم في خلوة ونجوة بعيدا عن حركات الجوارح ، التي قد تعطل الاستشراف الروحي! وهكذا .. إذا رحنا «نحدد» حكمة كل عبادة. وحكمة كل حكم. ونعلله تعليلا وفق «العقل البشري» أو وفق «العلم الحديث» ثم نجزم بأن هذا هو المقصود .. فإننا نبعد كثيرا عن المنهج السليم في مواجهة نصوص اللّه وأحكامه. كما نبعد كذلك عن الحد المأمون. ونفتح الباب دائما للمماحكات. فوق ما تحتمله تعليلاتنا من خطأ جسيم. وبخاصة حين نربطها بالعلم. والعلم قلب لا يثبت على حال. وهو كل يوم في تصحيح وتعديل! وهنا في موضوعنا الحاضر - موضوع التيمم - يبدو أن حكمة الوضوء أو الغسل ، ليست هي «مجرد» النظافة. وإلا فإن البديل من أحدهما أو من كليهما ، لا يحقق هذه «الحكمة»! فلا بد إذن من حكمة «أخرى» للوضوء أو الغسل. تكون متحققة كذلك في «التيمم» .. ولا نريد نحن أن نقع في الغلطة نفسها فنجزم! ولكننا نقول فقط : إنها - ربما - كانت هي الاستعداد النفسي للقاء اللّه ، بعمل ما ، يفصل بين شواغل الحياة اليومية العادية ، وبين اللقاء العظيم الكريم .. ومن ثم يقوم التيمم - في هذا الجانب - مكان الغسل أو مكان الوضوء .. ويبقى وراء هذا علم اللّه الكامل الشامل اللطيف بدخائل النفوس ، ومنحنياتها ودروبها ، التي لا يعلمها إلا اللطيف الخبير .. ويبقى أن نتعلم نحن شيئا من الأدب مع الجليل العظيم العلي الكبير .. ونقف مرة أخرى أمام حرص المنهج الرباني على الصلاة وعلى إقامتها في وجه جميع الأعذار والمعوقات. وتذليل هذه المعوّقات. والتيسير البادي في إحلال التيمم محل الوضوء ، ومحل الغسل ، أو محلهما معا ، عند تعذر وجود الماء أو عند التضرر بالماء (أو عند الحاجة إلى الماء القليل للشرب وضروريات الحياة) وكذلك عند السفر (حتى مع وجود الماء في أقوال) .. إن هذا كله يدل - بالإضافة إلى ما سيأتي في السورة من بيان كيفية الصلاة عند الخوف - في ميدان القتال - على حرص شديد من المنهج الرباني ، على الصلاة .. بحيث لا ينقطع المسلم عنها لسبب من الأسباب (و يبدو ذلك كذلك في المرض حيث تؤدى الصلاة من قعود ، أو من اضطجاع ، أو من نوم. وتؤدى بحركات من جفني العين عند ما يشق تحريك الجسم والأطراف!) إنها هذه الصلة بين العبد والرب. الصلة التي لا يحب اللّه للعبد أن ينقطع عنها. لأنه - سبحانه - يعلم ضرورتها لهذا العبد. فاللّه سبحانه غني عن العالمين. ولا يناله من عبادة العباد شيء. إلا صلاحهم هم. وإلا ما يجدون في الصلاة والاتصال باللّه ، من العون على تكاليفهم ، والاسترواح لقلوبهم ، والاطمئنان لأرواحهم. والإشراق في كيانهم والشعور بأنهم في كنف اللّه ، وقربه ، ورعايته ، بالطريقة التي تصلح لفطرتهم .. واللّه أعلم بفطرتهم هذه ، وبما يصلح لها وما يصلحها .. وهو أعلم بمن خلق. وهو اللطيف الخبير. ونقف كذلك أمام بعض التعبيرات الرائقة في هذا النص القصير : ذلك حين يعبر عن قضاء الحاجة في الغائط بقوله : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» .. فلا يقول : إذا عملتم كذا وكذا .. بل يكتفي بالعودة من هذا المكان ، كناية عما تم فيه! ومع هذا لا يسند الفعل إلى المخاطبين.فلا يقول : أو جئتم من الغائط. بل يقول : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» زيادة في أدب الخطاب ، ولطف الكناية. ليكون هذا الأدب نموذجا للبشر حين يتخاطبون! وحين يعبر عما يكون بين الرجل والمرأة بقوله : «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» والتعبير بالملامسة أرق وأحشم وأرقى - والملامسة قد تكون مقدمة للفعل أو تعبيرا عنه - وعلى أية حال فهو أدب يضربه اللّه للناس ، في الحديث عن مثل هذه الشؤون. عند ما لا يكون هناك مقتض للتعبير المكشوف.وحين يعبر عن الصعيد الطاهر ، بأنه الصعيد الطيب. ليشير إلى أن الطاهر طيب. وأن النجس خبيث .. وهو إيحاء لطيف المدخل إلى النفوس .. وسبحان خالق النفوس. العليم بهذه النفوس!( فى ظلال القرآن ـ (2 / 669)) وعَنْ سَلْمَانَ قَالَ قِيلَ لَهُ قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ. قَالَ فَقَالَ أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ.(صحيح مسلم- المكنز - (629 )) | |
|