هاله خشبه
الاوسمة :
عدد المساهمات : 453
| موضوع: شَهْرُ رَجَب وَمَا فِيْهِ مِن الْعَجَبِ !! الثلاثاء مارس 29, 2011 2:05 pm | |
| شَهْرُ رَجَب وَمَا فِيْهِ مِن الْعَجَبِ !!
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..... { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }( سورة الأحزاب:70،71 )
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالي- وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
وبعد...، فمما لا شك فيه أن الله تعالى خالق الخلق ومدبر الكون، يخلق ما يشاء ويصطفي من خلقه ما يشاء كما قال تعالى: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ }(القصص: 68) وهذا الاختيار دالاً على ربوبيته تعالى ووحدانيته، وكمال حكمته وعلمه وقدرته. - فهو سبحانه وتعالى خلق السماوات سبعاً، واختار العليا منها فجعلها مستقر المقربين من ملائكته واختصها بالقرب من كرسيه ومن عرشه. - خلق الجنان واختار منها جنة الفردوس وجعل عرشه سقفها. - خلق الملائكة واصطفى واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. -خلق البشر واصطفى منهم الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم، واصطفى من أولي العزم النبي r. - خلق البشر واصطفى منهم الصحابة، واصطفى من الصحابة السابقين الأولين، واختار منهم أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان. - خلق الأمم واصطفى منها أمة النبي r. - خلق البلاد واختار منها بلده الحرام " مكة " فهي أحب البلاد إلى الله تعالى. - خلق الأرض واختار منها المساجد، واختار من المساجد البيت الحرام. - خلق الأيام واختار منها يوم النحر ويوم الجمعة والعشر الأوائل من ذي الحجة. - خلق الليالي واختار منها ليلة القدر. - خلق الشهور واختار منها شهر رمضان والأشهر الحرُم. ( انظر زاد المعاد: 1/42-56 ) يقول قتادة – رحمه الله – كما في تفسير الطبري وابن كثير – رحمهما الله -:إن الله اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسولاً، ومن الكلام ذكره، ومن الأرض المساجد، ومن الشهور رمضان والأشهر الحرام، ومن الأيام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر. فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل.
يقول كعب – رحمه الله – كما عند ابن أبى حاتم والبيهقي في الشعب: "اختار الله الزمان فأحبه إلى الله الأشهر الحرام" ( روى هذا الحديث مرفوعاً ولا يصح رفعه )
وقد ثبتت حرمة هذه الأشهر في الكتاب والسنة قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ( التوبة:36 ). فأخبر - سبحانه وتعالى - أنه منذ خلق السموات والأرض وخلق الليل النهار يدوران في الفلك، وخلق ما في السماء من الشمس والقمر يسبحان في الفلك، وينشأ منهما ظلمة الليل وبياض النهار، فمن حينئذ جعل السنة اثنا عشر شهراً بحسب الهلال، فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله أهل الكتاب. وكان العرب قديماً يقدمون ويؤخرون في هذه الأشهر كما جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان العرب يحلون عاماً شهراً، وعاماً شهرين، ولا يصبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة واحد، وهو النسيء الذي ذكره الله في كتابه: { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} (( التوبة: 37 ).) فلما كان عام حج أبى بكر الصديق بالناس وافق في ذلك العام الحج فسماه الله: " يوم الحج الأكبر " ثم حج النبي (صلى الله عليه وسلم) في العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة.
ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في حجة الوداع والحديـث عند البخاري ومسلم من حديـث أبى بكرة (صلى الله عليه وسلم):إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعةٌ حُرمً، ثلاثاً متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جُمادى وشعبان" . – رجب مُضر: والسر في إضافة شهر رجب إلى مُضر، أن مُضر كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنٌسب إليها.
لماذا سميت هذه الأشهر الأربعة بالأشهر الحُرم ؟
- قيل إنما سميت حُرماً لتحريم القتال فيها، قال تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } (البقرة:217 ) وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن أبى حاتم بسند عن جندب بن عبد الله: أن النبي(صلى الله عليه وسلم) بعث رهطاً، وبعث عليهم عبد الله بن جحش فلقُوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك من رجب أو من جُمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله عزوجل: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ( البقرة: 217) أي: لا يحل، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عن محمد وأصحابه.
- وقد اختلف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم، هل تحريمه باقٍ أو نُسِخَ، فالجمهور على أنه نسخ تحريمه، ونص على نسخه الإمام أحمد وغيره من الأئمة، واستدل الجمهور على جواز القتال فيها بأن الصحابة اشتغلوا بعد النبي(صلى الله عليه وسلم) بفتح البلاد ومواصله القتال والجهاد، ولم ينقل عن أحد منهم أنه توقف عن القتال وهو طالبٌ له في شيء من الأشهر الحرم، وهذا يدل على إجماعهم على نسخ ذلك .... والله أعلم. وقال بعضهم: إن التحريم للقتال في الأشهر الحرم باقٍ ولم يُنسخ لتأكيد الله عليه في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ } ( المائدة: 2) وقد ثبت عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه. (حديث حسن رواه الحاكم، انظر تفسير ابن كثير) لكن الله (عزوجل) أذِنَ للمسلمين بالقتال في الأشهر الحرام إذا أُعتدي عليهم، كما قال تعالى: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ( البقرة: 194).
وجاء في مسند الإمام أحمد عن جابر(رضى الله عنه) قال: " لم يكن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى أو يَغزو – أي في غير شهر حرام – فإذا حضره – يعنى شهر رجب – أقام بغير حرب حتى ينسلخ" (لطائف المعارف صـ163) وقيل: سميت هذه الأشهر الأربعة بالأشهر الحرم لحرمة الذنب فيها، كما قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }( التوبة: 36 ). أي: فلا تظلموا أنفسكم بارتكاب المعاصي في هذه الأشهر الحرم، وقيل: بل في جميع شهور السنة . يقول ابن عباس – رضي الله عنهما -: "اختص الله أربعة أشهر جعلهن حُرماً، وعظم حُرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم"( لطائف المعارف صـ160 ). وقال قتادة – رحمه الله –: " اعلموا أن الظلم في الأشهر الحُرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً،ولكن الله يُعظم من أمره ما يشاء " (تفسير الإمام الطبري "10/289" – تفسير ابن كثير والقاسمي جامع العلوم والحكم لابن رجب3/317)
وبعد هذه المقدمة بَقي أن نتكلم
عن: شهر رجب وما فيه من
العجب !!!!
وقبل الحديث عن البدع التي استحدثها الناس في شهر رجب، نتعرف على شهر رجب وسبب تسميته بهذا الاسم. قال العلماء: رجب: جمعه: أرجاب، ورَجبَانَات، وأَرْجِبَة، وأَرَاجِبَة. وسبب التسمية: قيل: سمي هذا الشهر رجب؛ لأن الملائكة تترجب للتسبيح والتحميد فيه وفي ذلك حديث مرفوع إلا أنه موضوع. وقيل: سُمي رجب بهذا الاسم؛ لأنه كان يرجب في الجاهلية، أي: يُعظم. فقد كان أهل الجاهلية يبالغون في تعظيمه، ويعطلون أسلحتهم فيه تعظيماً له. يقول أبو الرجاء العطاردي(صلى الله عليه وسلم)كما في شعب الإيمان ( 3/371 ): كنا في الجاهلية نعبد الحجر، فإذا دخل شهر رجب، قلنا: مُنصِّلُ الأسنة - لنزعهم فيه الحديد من السلاح – فلا ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهماً فيه حديدة إلا انتزعناها فألقيناها تعظيماً للشهر.( البخاري مع فتح الباري: 7 / 612 ). فكان هذا الشهر مُعَظَّمٌ في الجاهلية؛ ولذلك كانوا يسمونه عدة أسماء منها:- - الأصب: لقولهم أن الرحمة تٌصب فيه - ويسمونه الأصم: لأنهم لا يسمعون فيه قعقعة السلاح. - ويسمونه رَجم: لأن الشياطين تُرجم فيه - ويسمونه الشهر الحرام - ويسمونه الحُرم: لأن حُرمتُه قديمة - ويسمونه المقيم: لأن حرمته ثابتة - ويسمونه شهر العتيرة: لأنهم كانوا يٌذبحُون فيه - ويسمونه مُنصِّلُ الأسنة: لأنهم كانوا ينزعون الحديد من السلاح كما مر بنا - ويسمونه مُنَفس - ويسمونه مُطهر - ويسمونه هَرَم - ويسمونه المعلي: لأنه رفيع عند أهل الجاهلية. - ويسمونه الفرد: وهذا اسم شرعي. - ويسمونه منصل الآل: أي الجواب (ذكره الأعشى في ديوانه) - ويسمونه منزع الأسنة أو منزع الآلة: (الحربة). - ويسمونه المبرئ - ويسمونه المقشقش - ويسمونه شهر الله - ويسمونه رجباً: لأنه مشتق من الرواجب. - ويسمونه رجباً: لترك القتال، يقال: اقطع الله الرواجب وكثرة الأسماء لرجب تدل على مدى تعظيم أهل الجاهلية له، فكثرة الأسماء تدل على عظم المسمّى وجاء الإسلام ولم يخص رجب بعبادة دون غيره من الشهور، لكن ذهب بعض الناس في هذا الزمان بتخصيص رجب ببعض العبادات والاجتهاد فيها، بل والدعوة إليها، وما فعلوا هذا إلا تقليداً فهي أمور توارثوها عن الآباء والأجداد وليس عليها أثارة من علم، أو فعلوا هذه العبادات اعتماداً على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، ذكرها الشوكاني في كتابه " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ومنها:- - (أكثروا من الاستغفار في شهر رجب، فإن لله في كل ساعة منه عُتقاء من النار، وإن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب.) بـاطل
-( في رجب يوم وليلة، من صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، كان له من الأجر كمن صام مائة سنة) موضوع
- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)خطب قبل رجب بجمعة قال: " أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم، رجب شهر الله الأصم، تُضاعف فيه الحسنات وتجاب الدعوات، وتفرج فيهالكربات"مـنـكر -( من صام يوماً من رجب، وقام ليلة من لياليه، بعثه الله أمناً يوم القيامة) موضوع
-( من أحيا ليلة من رجب، وصام يوماً فيه أطعمه الله من ثمار الجنة) موضوع
-( رجب شهر الله الأصم الذي أفرده الله تعالى لنفسه، فمن صام يوماً منه إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر) موضوع -( فضل رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام) موضوع
-( رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي) موضوع (المنارالمنيف – الفوائد) - (كان النبي(صلى الله عليه وسلم) إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) بـاطل و كذلك قصة ابن السلطان الرجل المسرف الذي كان لا يصلى إلا في رجب فلما مات ظهرت عليه علامات الصلاح، فسئل عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال: إنه كان يجتهد ويصوم فهذه قصة مكذوبة مفتراة لا يجوز قراءتها وروايتها إلا للبيان.
_ الـبـدع فـي شـهـر رجـب _جعل الناس يتقربون إلى الله في هذا الشهر بالذات (شهر رجب) بجملة من العبادات المبتدعة المخترعة الممنوعة الغير مشروعة، وهم يظنون أنهم يتقربون إلى الله بهذه العبادات، وما علموا أنهم يزدادون بُعداً، فكلما ازداد صاحب البدعة في بدعته كلما ازداد من الله بعداً، ونحن نحسن الظن بهؤلاء العوام، فإنهم ما تعمّدوا مخالفة الشرع والابتداع في دين الله، لكن وقعوا في هذه البدع اعتماداً على أحاديث ضعيفة أو باطلة موضوعة، ونحن على يقين أن كل مسلم إذا استبان له الحق وظهر، رجع عما كان عليه من باطل، ونفض يده منه، امتثالاً لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } (الأحزاب:36 )
ومن هذه البدع التي تقع في هذا الشهر العظيم المبارك:-
1ـ صلاة مخصوصة تفعل في رجب تسمى صلاة الرغائب:
و الحديث الوارد فىفضلها باطل موضوع وفيه:
"رجب شهر الله (لم يثبت في تسمية أي شهر أنه شهر الله إلا شهر الله المحرم) لقوله (صلى الله عليه وسلم) كما في صحيح مسلم: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم "وتسمية النبي (صلى الله عليه وسلم)المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله مع أن شهور كلها لله، فإن الله لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته.) ، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي"، قيل يا رسول الله: ما معنى قولك رجب شهر الله ؟ قال لأنه مخصوص بالمغفرة، ثم ذكر حديثا طويلاً، رغب في صومه، ثم قال: لا تغفلوا عن أول ليلة في رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب، ثم قال: وما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب، ثم يصلى ما بين العشاء والعتمة – يعنى ليلة الجمعة – اثنتى عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث، وقل هو الله أحد اثنتى عشر مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمه، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين مرة، ثم يقول: اللهم صلى على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد فيقول في سجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبعين مرة، ثم يرفع رأسه فيقول: رب اغفر وارحم وتجاوزعما تعلم إنك أنت الأعز الأعظم سبعين مرة، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل الله حاجته، فإنها تقضى، ثم قال رسول الله r: " والذي نفسي بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن استوجب النار ". (انظر إحياء علوم الدين للغزالي: 1/302، وتبين العجيب فيما ورد في فضل رجب صـ 22-24) "وهذا الحديث حديث موضوع ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وواضع هذا الحديث هو علي بن عبد الله بن جهضم الصوفي (ت:414) وذكره ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "المنار المنيف في الصحيح والضعيف صـ 88" وذكره الشوكاني - رحمه الله - في كتابه "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" وقال عنه الشوكاني– رحمه الله -: اتفق الحفاظ على أن صلاة الرغائب موضوعة، وألَّفوا فيها المؤلفات، وهي أقل من أن يشتغل بها ويتكلم عليها، فوضعها لا يمترى فيها من له أدنى إلمام بفن الحديث. وقال ابن النحاس – رحمه الله –: "وهي بدعة، والحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين " (تنبيه الغافلين: 496) و قد جزم بوضع حديثها أيضا الحافظ أبو الخطاب وأبو شامة وابن الحاج وابن رجب وأبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر السمعاني وأبو الفضل بن ناصر وآخرون (انظر الباعث عل إنكار البدع والحوادث – المدخل – لطائف المعارف) وقال ابن تميمة – رحمه الله –: وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها، بل هي مُحدثة، فلا تُستَحب لا جماعة ولا فرادى فقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهي أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً. (مجموع الفتاوى 13/132) وقد ذكر الطرطوشى بداية وضعها فقال: وأخبرنى أبو محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا منه ثمانٍ وأربعين، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان.... إلى أن قال: وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانٍ وأربعمائة، وما كنا رأيناه ولا سمعنا بها قبل ذلك. (الحوادث والبدع ص 103) وقال النووي – رحمه الله – عن صلاة الرغائب:وهي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها أو إنكارها على فاعلها. (فتاوى الإمام النووي صـ 57)
* وقد صنف العلماء كتب في إنكارها وذَمِّها وتسفيه فاعليها ولا يُغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان ولا بكونها مذكورة في بعض الكتب كقوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ونحوهما، فإنها بدعة باطلة وقد صح أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال كما عند البخاري ومسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " و عند مسلم بلفظ: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " و في صحيح مسلم وغيره أن(صلى الله عليه وسلم) قال: " كل بدعة ضلالة ". و قد أمر الله سبحانه وتعالى عند التنازع بالرجوع إلى كتابه فقال:
{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } (النساء: 59) ، ولم يأمر باتباع الجاهلية أوالمبتدعين واعتمد الفقيه أبو محمد – رحمه الله تعالى – على إنكارها والمنع منها على أدلة بعد بيان بطلان حديثها منها أنه قال: ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم أعلام الدين وأئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وغيرهم ممن دونوا الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنة، لم ينقل عن واحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجلسه، والعادة تحيل أن يكون مثل هذه سنة وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين، وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام " فلو كان خيراً لسبقونا إليه " فلا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها الشرع، ولقد خصَّص لنا الشرع بعض العبادات والأوقات وبين فضلها دون غيرها، كصوم يوم عرفة وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان. فالحاصل: أن المكلف ليس له منصب التخصيص،
بل ذلك إلى الشارع، فليس كل زيادة في العبادة تكون خير. فلقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان وابن خزيمة من حديث أبى موسى الأشعري(صلى الله عليه وسلم)أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال:" من صام الدهر ضيقت عليهم جهنم هكذا وقبض كفه " و في لفظ ابن حبان:" ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين ورجاله رجال الصحيح و في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما - أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال: " لا صام من صام الدهر"
وسُئلَ أبو شامة عن حكم صلاتها جلباً لقلوب العوام ؟
فقال: وكم من إمام قال لي: إنه لا يصليها إلا حفظاً لقلوب العوام عليه، وتمسكاً بمسجده خوفاً من انتزاعه منه. و في هذا دخول منهم في الصلاة بغير نية صحيحة، وامتهان الوقوف بين يدي الله تعالى، ولو لم يكن في هذه البدعة سوى هذا لكفى، وكل من آمن بهذه الصلاة أو حسنها فهو متسبب في ذلك. معزٍ للعوام بما اعتقدوه منها، كاذبين على الشرع بسببها، ولو بُصِّروا وعُرِّفوا هذه سنَةً بعد سنَةٍ لأقلعوا عن ذلك وألفوه، لكي تزول رئاسة محبي البدع ومحييها والله الموفق.
و تتمة للفائدة نذكر بعض الأحاديث الموضوعة في فضل الصلاة في رجب:
- من صلى المغرب أول ليلة في رجب، ثم صلى بعدها عشرين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد مرة، ويسلم فيهن عشر تسليمات أتدرون ما ثوابه ؟...إلخ .... موضوع (الفوائد)
- من صام يوماً من رجب، وصلى فيه أربع ركعات يقرأ في أول ركعة مائة مرة آية الكرسي، وفي الركعة الثانية مائة مرة قل هو الله أحد، لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يُرى له.... موضوع
- من صلى ليلة النصف من رجب، أربع عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد لله، وقل هو الله أحد عشرين مرة، وقل أعوذ برب الفلق ثلاث مرات، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ عشر مرات، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ثلاثين مرة بعث إليه ألف ملك...موضوع(الفوائد)
- من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة، جاز على الصراط بلا حساب.. موضوع (المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم) | |
|