[تدل الدراسات الفلكية التي أجريت حول المفاهيم الحديثة للكون. بأن عدداً كبيراً من نجوم الكون هي من النوع الذي يمكن أن يكون في نهاية حياته ثقوباً سوداء Black Holes. وان هناك ثقباً أسود هائلاً في مركز مجرتنا "الطريق اللبني" Milky Way. يدور بسرعة رهيبة مسبباً اضطرابات مروعة في مجرتنا.
فعلي سبيل المثال. ثمة تركيب في شكل ذراع هائلة تمتد من مجرتنا. يتألف غالبا من الهيدروجين ويبعد نحو تسع سنوات ضوئية من المركز. يمكن ان يشاهد مندفعا نحو الكرة الأرضية بسرعة تبلغ حوالي خمسين كيلومتراً في الساعة. ويمكن معرفة هذه الحركة بالتغيير الذي تحدثه في طول الموجات الراديوية. التي يطلقها الهيدروجين. هذا وغيره من الاضطرابات في النبضات الراديوية. تؤيد الاقتراح القائل بأن مركز مجرتنا مليء بالنشاط وأيضا يحتوي علي ثقب اسود عملاق. وأنه يفسر بعض الظواهر الكونية الغامضة مثل الاشعاع التجاذبي Gravitational Radiation.
دراما الشمس.. والإشعاع التجاذبي
ربما نتساءل: ماهو الإشعاع التجاذبي؟ تسألني فأجيبك. طالما ان الثقب الأسود يومض وينطفيء بسرعة هائلة "جزء من الثانية". فإن العين البشرية لا يمكن ان تلحظه. لهذا يبحث علماء الفلك عن نوع الإشعاع الذي قد يصدر بكميات كبيرة. في حالة نجم ضخم ينهار ليكون ثقباً أسود؟
للإجابة علي هذا السؤال. علينا ان نفكر كيف نستطيع تحمل الحياة فوق كوكب الأرض. ولم تم تدمير شمسنا فجأة بسبب كوني غامض. وإذا غضضنا النظر عن مشكلة برودة الأرض السريعة الخاطفة. فإننا سنلاحظ أنها ستتوقف عن الدوران في مدار بيضاوي حول الشمس. كما تفعل لآلاف الملايين من السنين. وأنها تأخذ في الانطلاق في خط مستقيم "بعد زوال جاذبية الشمس" ونحن لا نتوقع ان يحدث كل هذا مباشرة. ولكنه سيحدث في نفس الوقت الذي تختفي فيه الشمس عن بصرنا. وبمعني آخر. اننا سنظل ندور في المدار حول الشمس نحو ثماني دقائق. بعد ان تكون قد دمرت تماماً. وهذا هو الوقت الذي يستغرقه وصول آخر قدر من جاذبية الشمس للأرض. ونستطيع ان نعتبر هذا الامداد للجاذبية نوعاً من الإشعاع في حد ذاته. وهو مايمكن ان نطلق عليه "الإشعاع التجاذبي".
إن الإشعاع الذي نسميه بالضوء. قد لوحظ منذ ان اكتسبت المخلوقات قدرة علي الرؤية. ولكن ما من أحد أمكنه ان يكتشف ان الإشعاع التجاذبي له قيمة في بقاء المخلوقات علي قيد الحياة فوق كوكب الأرض. ذلك ان الموجود من هذا الإشعاع قليل جداً كما ان التغيير فيه طفيف وبطيء للغاية ولا يؤثر بشكل واضح علي كوكب الأرض.
ولكن بالنسبة للأجرام الفضائية كبيرة الحجم. تصبح قوة الجاذبية بينهما مؤثرة الي حد بعيد. ولكي ندرس الإشعاع التجاذبي بينهما. نحتاج إما الي جهاز رصد هائل. يكون في حجم الكرة الأرضية. أو مكثف حساس للغاية يصمم خصيصاً لهذا الغرض.
ومن ناحية أخري يجب ألا نتوقع ان نبحث إلا عن إشعاع تجاذبي بين الأجرام الفضائية البالغة الضخامة. وهنا نعود الي سؤالنا عن نوع الإشعاع الذي يصدر من نجم منهار. مع العلم ان حدوث كارثة لنجم ضخم تجعله ينهار ويكون ثقباً أسود. وهذا هو التغيير العنيف. الذي قد يصدر نبضات كثيفة من الإشعاع التجاذبي.
جهاز الرصد .. والاضطرابات الإشعاعية
وحيث إننا لا نستطيع ان نحدد مكان نبضات الإشعاع التجاذبي بدقة. إذن فالشيء الوحيد الذي يمكن ان نفعله. هو ان نقيم جهازاً حساساً الي أقصي درجة ممكنة. مع إمكان توجيهه الي مختلف الاتجاهات. وعلينا بعد هذا ان ندير الجهاز يحدونا الأمل.
وهذا ما فعله تماماً العالم الفيزيائي الأمريكي جوزيف ويبر "1919 2000" بجامعة مريلاند.. وكانت نتائج التجارب التي حصل عليها مذهلة. استخدم ويبر إسطوانة كبيرة مصنوعة من الألومنيوم. ومعلقة بأسلاك في الهواء ويمتليء سطحها ببلورات الكوارتز. ويبلغ طول كل إسطوانة متراً ونصف المتر وعرضها متر. وكان هذا الجهاز مصمما بحيث تتأثر اسطوانته بأضعف الموجات القادمة من الفضاء.
وهذه الذبذبات هي المطلوب الكشف عنها. وكان الجهاز من الحساسية بحيث ان إزاحة جزء صغير جداً. يبلغ واحداً علي ألف من القطر النووي. يمكن قياسه.
وبسبب تلك الحساسية الفائقة لجهاز الرصد. فقد أمكنه التقاط جميع الذبذبات التي تنتشر في الكون. وقد أحدث هذا تشويشا لموجات الإشعاع التجاذبي. التي اهتم العالم الفلكي "ويبر" بتسجيلها.
ولذا فقد أقام جهازاً آخر. علي بعد نحو ألف كيلومتر من الجهاز الأول بالقرب من مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة. وكانت الذبذبات التي تكتشف في نفس الوقت بواسطة الجهازين المستقلين. تدل علي انها ناشئة من مصدر إشعاع تجاذبي واحد. في اعماق الكون.
واعلن "ويبر" انه قد لاحظ عدة مئات من الاضطرابات الإشعاعية علي مدي بضعة شهور لا يمكن تفسيرها بأنها تموجات طارئة. واتضح له أيضا أن هذه الإشارات كانت أكثر ماتكون عندما يوجه الجهازان الي مركز مجرتنا "الطريق البني".
الطاقة الهائلة.. الغامضة
لقد كانت أهم سمة مثيرة للإشعاع التجاذبي القادم إلينا من مركز المجرة. هو انه كان يحتوي علي نبض قصير مدة الواحد منه أقل من نصف ثانية. وذلك مرة كل نحو أربعة أيام. وتلتقط في ذبذبة حوالي 1600 سيكل Cycle "دورة" في الثانية الواحدة. وهذه النبضة القصيرة جداً لهذا الإشعاع في مثل هذه الذبذبة. تشير إلي أنه لابد وان يحتوي المصدر علي مقدار هائل من الطاقة. اتضح فيما بعد انه ثقب أسود.
وبقي أمام علماء الفلك مشكلة تتعلق بتحديد المكان. الذي صدر منه هذا الإشعاع التجاذبي. ولن يكون شرحنا مقنعاً. إذا قلنا بأن هذا الإشعاع يأتي من الانهيار الكلي لنجم يكون قد تعرض لإنفجار سوبر نوفا. لأن ذلك يحدث كل حوالي مائة عام. بينما لاحظ العالم "ويبر" ان الإشعاع يأتي مرة كل نحو أربعة أيام فقط!
وقد حيرت هذه المشكلة علماء الفلك كثيراً حتي الوقت الحاضر لدرجة ان بعضهم كان علي استعداد لأن ينبذ نظرية الجاذبية الهندسية المألوفة.
علي ان تجربة "ويبر" لم يحققها بعد علماء آخرون. ومن ثم يجب النظر اليها بشيء من الحذر. خاصة وان استخدام كوكب الأرض كقاعدة لمرصد حساس قد يقلل من شأنها ذلك المقدار الكبير من الضوضاء والتشويش الذي يتعرض له كوكب الأرض. ولتلافي هذا الأمر تم تركيب مرصد حساس جديد علي سطح القمر لدراسة الإشعاع التجاذبي القادم من أعماق الفضاء. ولكن لم يتم تحليل النتائج بشكل قاطع حتي الآن. كما ان هناك عدة مراصد أخري لهذا الغرض مثل "ليجو" LIGO وهي تعمل بأشعة الليزر.
وقال بعض علماء الفلك حديثاً. إن الإشعاع التجاذبي مصدره تلك النجوم التي اصابتها الشيخوخة وتقع قرب مركز مجرتنا وانها توجد بالقرب من ثقب أسود هائل. وكتلة هذا الثقب الأسود المروع. ربما تكون قدر شمسنا مائة مليون مرة. كما انه يلتهم النجوم التي تدور بالقرب من أفق حدثه بمعدل يبلغ حوالي ثلاثين كتلة شمسية كل عام.
يا إلهي ما أعجب هذا الكون!
color=red][/color]